Express Radio Le programme encours
لم تتغير حالة الإنتصاب العشوائي في المنطقة التجارية المجاورة للمدينة العتيقة بالعاصمة، مع استمرار مئات من التجار العرضيين في احتلال الأنهج والأرصفة لعرض سلعهم المختلفة على قارعة الطريق، بل ان الوضعية قد “تفاقمت” في هذه المنطقة وغيرها، كما أقرت بذلك السلطات المحلية التي أصبحت مترددة في المضي قدما في برنامج مكافحة الانتصاب التجاري الفوضوي.
ولملاحظ أن يتساءل عن أسباب استمرار حالة الإنخرام التجاري في شوارع وأنهج مجاورة للمدينة العتيقة، مثل شارع فرنسا ونهج شارل ديغول ونهج إسبانيا وشارع باريس وساحة برشلونة، بسبب تراكم البضاعة المقلدة والمهربة أوالمصنعة محليا، فوق عربات وصناديق وحتى مفترشة أرض الرصيف، في مشهد مألوف بالأسواق الشعبية، بمحاذاة المحلات التجارية العصرية والقانونية، أين يتجول عشرات الآلاف من المارة يوميا.
عندما تزور المواقع التجارية النشطة بشكل كبير هذه الايام، بمناسبة نهاية السنة الإدارية، تلاحظ آلاف الناس يعبرون الشوارع والأنهج بصعوبة، ومنهم كثيرون يتوقفون لشراء السلع الرخيصة والمتراكمة في هذه الأماكن، وحتى لفرز الملابس المستعملة التي تعرض عادة في سوق الحفصية وسوق الملاسين، لكنها انتقلت منذ فترة ليست بالقصيرة بكل حرية الى ساحة برشلونة ونهج جمال عبد الناصر بقلب العاصمة.
ويطرح السؤال نفسه، حول نتائج خمس سنوات على الأقل من الجهود المكثفة التي بذلتها مصالح الشرطة البلدية ووحدات التدخل الأمنية بحملاتها شبه اليومية، لتفكيك نسيج الانتصاب التجاري العشوائي عبر تنفيذها لآلاف التدخلات الميدانية، قصد رفع هذه البضائع التي تعرض بطريقة عشوائية وحجزها وتحرير المخالفات والمحاضر العدلية ضد عارضيها، وهو ما سبب في عديد المناسبات مواجهات وإصابات في صفوف الجانبين.
وأقرت الكاتبة العامة لبلدية تونس حفيظة مديمغ بلخير، في تصريحها لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، بأن “الوضعية قد تفاقمت” في شوارع وأنهج العاصمة، بعد سنوات من انطلاق البرنامج المكثف لمقاومة الانتصاب التجاري العشوائي وسط العاصمة سنة 2018، مفيدة بأن البلدية بصدد تقييم نتائج برنامج مقاومة الانتصاب التجاري العشوائي وكيفية مواصلته.
كما صرحت المسؤولة البلدية، بأن أغلب الباعة المتجولين رفضوا المواقع القانونية البديلة التي أعدتها البلدية والمجلس الجهوي بالولاية، وسلّمت لهم في نطاق برنامج مقاومة الانتصاب التجاري الفوضوي، “بسبب رسوخ رغبة التجارة في الشارع لديهم، وتعوّدهم على المواقع القديمة”، وفق تقديرها.
وكانت بلدية الحاضرة وولاية تونس شرعتا سنة 2018 في تنفيذ برنامج مكثف لإزالة الانتصاب الفوضوي وسط العاصمة، ليتم توسيعه حتى يشمل مختلف ولايات تونس الكبرى، كما نسجت ولايات أخرى على نفس المنوال في تجربة صعبة في ظل ظرف اقتصادي عام يتميز بتفاقم البطالة وغلاء المعيشة والانفلات الأمني.
وأعلنت بلدية وولاية تونس توزيع 1000 محل للانتصاب القانوني بأسواق وأنهج قريبة من وسط العاصمة هي بلحسن جراد (442 محلا) ومنجي سليم (95 محلا) والقلالين (145 محلا) والخربة (172 محلا) وسيدي البشير (145 محلا)، لكنها لم تحز على رضا المتسوغين بعد أسابيع من تسلمها.
وتراجعت بلدية تونس في تقديرها لعدد المحلات المسلّمة الى ما دون الالف المعلن عنه، وحمّلت المسؤولية في “تضخيم” العدد الى المعتمدية التابعة لولاية تونس، حسب ما ورد في تصريح الكاتبة العامة للبلدية.
من جهته، قال معز العلوي كاتب عام نقابة التجار المستقلين التابع لاتحاد عمال تونس (مستقل)، إن المحلات المسلمة كبديل عن مواقع الانتصاب العشوائي، تعاني في أغلبها من ضيق المساحة وضعف تجهيز البنية الأساسية من ماء وصرف صحي وإنارة وتبليط، وأحيانا من تكدس الفضلات في أماكن مجاورة، مما أضعف استقرار الباعة فيها وأثر على مداخيلهم، ودفع العديد منهم الى التراجع عن العمل بالمواقع التعويضية.
وأفادت بلدية تونس، أن تكلفة المواقع التجارية البديلة المعدة للتجار العشوائيين بنهج المنجي سليم بلغت 700 ألف دينار، وأن البلدية تكفلت بوسائلها الخاصة بتهيئة موقع آخر للانتصاب، في الوقت الذي كان على الولاية تهيئة موقعين على حساب ميزانية المجلس الجهوي، لكن أغلب المحلات المعدة تم التخلي عنها من قبل المستفيدين.
وتطالب نقابة التجار المستقلين السلطات المحلية، باستكمال تهئية هذه المواقع البديلة للانتصاب العشوائي، لتتوفر فيها ظروف عمل لائقة وجالبة للحرفاء، وبتسليم مواقع أخرى إلى قرابة 600 من الباعة المرسمين بقائمة الانتظار.
يقول م. ف المنتصب على الرصيف بشارع فرنسا بالعاصمة، لبيع ملابس جاهزة الى جانب عشرات المنتصبين الآخرين، إن الإنتصاب في هذا المكان يحقق له دخلا يوميا يصل الى 400 دينارا بمناسبة الأعياد، وما لا يقل عن 100 دينار في الأيام العادية، رغم أنه يخشى هجوم الشرطة البلدية المفاجىء الذي سيكلفه حجزا وخسائر مالية تضر بربحه، دون أن يبالي بصعوبة تنقل المارة على الرصيف وضجر أصحاب المحلات التجارية، مقرا بأنه عادة ما ينتصب في سوق نهج سيدي بومنديل وسوق نهج الجزيرة.
غادر هذا البائع والعشرات مثله الأسواق المعتادة والمخصصة للتجارة الشعبية لتحقيق مداخيل أفضل، وجاء آخرون جدد لينظموا الى المتمسكين بالشارع في مواجهة حملات أمنية بدأت صارمة وانتهت مترددة، لآستغلال الشغور والإستفادة من إقبال كبير ومتواصل للمشترين على بضائع متنوعة وزهيدة الثمن، في ظل التدهور القياسي للمقدرة الشرائية في السنوات العشر الأخيرة.
في المقابل، عبّر أصحاب المحلات التجارية القانونية عن تبرمهم من تعطل الحركة التجارية والمنافسة المفروضة عليهم، وهم المعروفون بارتفاع أسعارهم بالنسبة الى لفئات الشعبية والوسطى، مقارنة باسعار الباعة المنتصبين على قارعة الطريق، ولم تغير احتجاجات الغرفة النقابية الوطنية لتجار الأقمشة والملابس الجاهزة اي شيء من واقع معاناتهم اليومية، ومرت دون نتيجة تذكر.
وكان التجار العشوائيون الراغبون في تقنين وضعياتهم، قد علقوا آمالا على فضاء معروف باسم “فضاء قرطاج”، وهو عقار على ملك الدولة يوجد خلف الفضاء التجاري الكبير “البلماريوم” قرب شارع الحبيب بورقيبة، لكن إحدى الوزارات تمسكت باستغلاله كمبنى إداري، مما بدد امكانية إقامة فضاء تجاري شعبي جامع منظم في قلب العاصمة، يحدّ من الانشار التجاري العشوائي في الشوارع والانهج والساحات.
وبعد أكثر من خمس سنوات من التدخلات، تبدو مجهودات حملات مكافحة الانتصاب التجاري العشوائي وسط العاصمة، عاجزة عن احتواء هذه الظاهرة، في حين توصم البدائل المقدمة من قبل السلطات المحلية (البلدية والولاية) بالضعف والنقائص، وعدم تلاؤم المصاريف والمقدرات مع القيمة الحقيقية للتجهيزات، حسب المعنيين والملاحظين.
وات
Written by: Yosra Gaaloul