الأخبار

محلّلون وخبراء: “المشهد السياسي في تونس يتّسم بالانقسام.. وموعد الاستفتاء منطلق لمشهد جديد”

today30/06/2022 70

Background
share close

يعتبر محلّلون سياسيون أنّ المشهد السياسي في تونس قد شهد بعد الخامس والعشرين من جويلية 2021، حالة من “الانقسام والضبابيّة”، جرّاء الصّراع القائم بين رئيس الجمهورية، من جهة والمنظومة الحزبية المعارضة له والتي تقول إنه انقلب عليها، من جهة أخرى.

وقد أكّدوا في تصريحاتهم لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، أنّ موعد الاستفتاء القادم (25 جويلية 2022) هو موعد “فضّ الإشتباك” بين هذه الأطراف والانطلاقة نحو مشهد سياسي جديد قد يكون بقواعد جديدة مختلفة عن تلك التي ميّزت العشرية الأخيرة، أي مشهد تنقلب فيه الموازين وقد تكون فيه رئاسة الجمهورية واجهة صنع القرار، “في صورة انتصار الرئيس قيس سعيّد ومشروعه”.

كما أشاروا إلى أهميّة دور الاتحاد العام التونسي للشغل في تشكيل هذا المشهد، مؤكّدين أنّ موقف المنظمة الشغيلة من الاستفتاء ومن نص الدستور، سيكون المحدّد الأساسي لحجم المشاركين في هذا الاستفتاء الذي سيكون “منطلقا لمشهد جديد”.

وفي هذا الصدد قال المحلّل السياسي، بلحسن اليحياوي إنّ المشهد السياسي تميّز في السنة الأخيرة وتحديدا منذ 25 جويلية 2021 بحالة من “الانقسام بين قوى سياسيّة”، تتمثّل من جهة في رئيس الجمهورية ومسار 25 جويلية، ومن جهة ثانية في المنظومة الحزبية التي تعتبر هذا المسار انقلابا، مذكّرا في الآن ذاته بموقف الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يحاول الموازنة بين الموقفين، “رغم إصراره في أكثر من مناسبة على أنه مع مسار 25 جويلية وأنه لا يمكن العودة إلى ما قبل ذلك، أي المشهد البرلماني الذي ميّز فترة ما بعد انتخابات 2019.

 الاستفتاء منطلق لمشهد جديد

ولاحظ اليحياوي أنّ تونس تقترب من فض الاشتباك الحاصل بين رئيس الجمهورية والمعارضين له وأنّ العدّ التنازلي نحو ذلك قد انطلق، باقتراب موعد الاستفتاء على الدستور، معتبرا انّ التصويت ب”لا” على مشروع نص الدستور المقترح يعني “إنهاء مسار 25 جويلية وانتهاء الرئيس قيس سعيّد سياسيا”، في حين أن التصويت ب”نعم” يعني “الاتجاه نحو تشكيل مشهد سياسي جديد بقواعد جديدة مختلفة عن تلك التي ميزت العشرية الأخيرة”.

وذكّر في هذا السياق بأنّ “مراكز القوى كانت تتمركز أساسا في البرلمان وتتحكّم في المشهد السياسي، عبر تشكيل الحكومة والهيئات، بمعنى أنّ النّفوذ الحزبي هو الذي يسيطر على عمل الحكومة، لكنّ اليوم يبدو أنّ تونس تتّجه إلى تغيير النظام السّياسي، نحو نظام رئاسي، لتصبح رئاسة الجمهورية هي واجهة صنع القرار السياسي وهي التي تقوم بتشكيل الحكومة، رغم مراقبتها من طرف البرلمان، ممّا يعني حصول تغيرات في موازين القوى”.

من جهة أخرى أشار بلحسن اليحياوي إلى أنّ حظوظ مشروع الرئيس سعيّد أو خارطة الطريق التي وضعها “وفيرة” لتحقيق كل الأهداف المرسومة من قبله منذ إصداره للمرسوم 117 والمتمثلة أساسا في “تعديل جذري للدستور أو كتابة دستور جديد والتخلص من الهيئات التي وقع إقرارها في العشرية الأخيرة ولم تقدم ماهو مطلوب منها، إضافة إلى محاولة إصلاح القضاء التونسي، لوجود قناعة بأنّه لا معنى لبناء ديمقراطية أو بناء دولة في غياب قضاء حرّ ومستقل ونزيه”.

وعن “معركة القضاء”، قال هذا المحلل السياسي إنّ هذه المعركة “لا تقلّ أهميّة عن المعركة مع الأحزاب ومع البرلمان وأنّ المواجهة الكبرى اليوم هي بين الرئيس سعيّد والجسم القضائي، على اعتبار أنّ “جبهة الخلاص” أو “مواطنون ضد الانقلاب” وبقية الأحزاب المعارضة، تكرّر نفسها، وتقدّم الصور والوجوه ذاتها وكذلك نفس الخطاب الممجوج والمتكرر منذ 25 جويلية 2021، في حين أنّ رئيس الجمهوريّة يمضي بانسجام تام في احترام خارطة الطريق التي وضع مواعيدها بخصوص الاستفتاء والانتخابات التشريعية السابقة لأوانها”.

على صعيد آخر أكّد اليحياوي أنّ نص الدستور الذي من المفروض أن يكون متاحا اليوم 30 جوان، من النقاط الهامّة التي ستؤثر في المشهد السياسي، “على اعتبار أنّ موقف الاتحاد مرتبط بهذا النص وسيكون المحدّد الأساسي لحجم المشاركين في الاستفتاء، رغم دعوات المقاطعة من أجل إسقاط شرعية هذا الاستفتاء”.

واعتبر أنّ بلوغ نسبة الإقبال على الاستفتاء (في حدود 40 بالمائة)، “يعني أن شرعية الدستور والاستفتاء لا تقل عن شرعية الانتخابات التشريعية الأخيرة التي بلغت فيها نسبة الإقبال 39 بالمائة”، موضحا أنه إذا تجاوز الإقبال على الاستفتاء هذه النسبة، فذلك يعدّ “انتصارا ساحقا لمسار 25 جويلية”، حسب رأي اليحياوي.

مشهد فسيفسائي يتميّز بالارتباك

من جهته وصف المؤرّخ السياسي، عبد اللطيف الحناشي، المشهد السياسي في تونس اليوم ب “الفسيفساء”، المتشكّلة من رئيس الجمهورية، من جهة والمعارضة، من جهة أخرى والتي تنقسم بدورها من حيث المقاربات والآليات التي تطالب باعتمادها.

وقال الحناشي إن المشهد في العموم يتميّز بالارتباك والتناقض وغموض الرؤية، بالنسبة إلى أغلب الفاعلين سياسيا، بخصوص أطروحات رئيس الجمهوية، معتبرا أنّ عدم اتضاح ملامح الدستور الجديد وخطوطه العريضة، “يضاعف من الارتباك في المواقف والتقديرات”.

وأضاف أنّ أداء رئاسة الجمهورية “يتّسم بالغموض منذ 25 جويلية 2021 وبالاستعلاء، خاصة في علاقته بالمجتمع السياسي والمجتمع المدني واللذين من بينهما مساندون للاجراءات التي اتخذها الرئيس أواخر جويلية الماضي، على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل وبعض الأحزاب”، مبيّنا أنّ المساندة المطلقة نسبيّا التي حظي بها رئيس الجمهورية وإجراءات 25 جويلية، “تراجعت من المطلقة إلى النّقدية ومن ثمّة إلى القطيعة، مثلما تجسّد ذلك مع المنظّمة الشغيلة التي ساندت ما أقرّه سعيّد وطالبت الرئيس منذ 26 جويلية 2021 بتحقيق جملة من القضايا الأساسية إلى جانب الإجراءات التي اتخذها كالإصلاحات السياسية والنظام الانتخابي والدستور والحوار الوطني.

وفي سياق متصل قال الحنّاشي إنّ رئيس الجمهورية “أهمل النظر أو الاستئناس بما قُدّم له من أفكار وآراء تبدو معقولة ولم يسع إلى تقليص جبهة المخالفين له وتوسيع جبهة المساندة، بل أتى بعكس ذلك، ممّا نتج عنه توسّع جبهة المعارضة وتضخّمها حجما وعددا منذ تاريخ 25 جويلية 2021”.

على صعيد آخر اعتبر هذا المؤرخ السياسي أنّ “الأخطر من ارتباك المشهد السياسي هي التناقضات التي تعيشها جبهة المعارضة في ما بينها”، ملاحظا أنّ جبهة الخلاص “تتكون من حركة النهضة وأطراف أخرى تتناقض معها إيديولوجيا، لكن تلتقي معها في تشخيص الوضع دون تقديم بدائل متناغمة ومقنعة وينسحب الأمر جزئيا على الأحزاب الخمسة التي تشكّلت مؤخرا والتي تلتقي حول معارضة الرئيس لكنها وفي الوقت ذاته تتعارض مع جبهة الخلاص”.

وقال إنّ المعارضين لرئيس الجمهورية “يلتقون موضوعيا أو جزئيّا مع البدائل التي طرحها الاتحاد العام التونسي للشغل (خارطة الطريق + مضمون وآليات الحوار الوطني + مشروع الدستور)، غير أنهم يعوّلون عليه دون أن يبادروا بالتحرّك، بالاضافة الى محدودية اشعاعهم في الداخل”.

واعتبر الحناشي أنّ النهج الذي انتهجه الرئيس وعدم تفاعله مع بقية الأطراف، يطرح إشكالا كبيرا وتساؤلات عن مدى نجاح “مشروعه أو برنامجه”، خاصّة وأنّ أغلب الأحزاب رفضت المشاركة في الاستفتاء بالصيغة المطروحة وكذلك الانتخابات باستثناءات محدودة، “ممّا يطرح مسألة مدى مصداقية نتائج تلك الاختيارات الرئاسية الفاقدة لأغلب مكوّنات المجتمع السياسي والمدني ولجزء هام من النخب”.

 الطبقة السياسية التقليدية خارج دائرة التأثير

أمّا الجامعي والمحلل السياسي، خالد كرونة، فقد أشار إلى أنّ “الطبقة السياسية التقليدية صارت خارج دائرة التأثير في مربعات القرار وأنّه بات من الواضح أنّ المبادرة السياسية تنحصر في قرطاج”.

ولاحظ أنّ ما تغيّر ليس تراجع دور الأحزاب فقط، بل أيضا دور المنظمات، مبيّنا أنّ حضور منظمة الأعراف وهيئة المحامين ورابطة الدفاع عن حقوق الإنسان في الحوار، دون “الأخ الأكبر” (اتحاد الشغل)، “مؤشّر على تصدّع الجسم المدني الذي ظل منذ 2013 يحاول التحرك بطريقة جماعية لضمان نتائج على الساحة السياسية”.

وقال المحلل السياسي “إنّ التحولات الإقليمية والدولية وخاصة عودة الدفء إلى العلاقات المصرية القطرية والعلاقات التركية السعودية، وفّرت مناخا ملائما لدعم مسار 25 جويلية، بقطع النظر عن هناته”.

كما اعتبر أنّ فشل المعارضة، (المتمثلة أساسا في جبهة الإنقاذ ومواطنون ضد الانقلاب والتيار الديمقراطي وحزب العمال وغيرها من الأحزاب)، في خلق قوة حقيقية على الأرض، “جعل مهمة قيس سعيّد، أيسر للسير قُدما نحو تحقيق مشروعه”، مبيّنا أنّ الشعارات المرفوعة من قبيل “الانقلاب يترنّح” و”أيامه معدودة” أضحت من الماضي، لأنّ خارطة الطريق التي أعلن عنها الرئيس سعيّد وتضمّ موعد الاستفتاء وموعد الانتخابات، “كانت كافية لطمأنة القوى الدولية التي حاولت الضغط على سلطات الاستثناء بل وأمدته بعناصر الدعم” (البنك العالمي / واتفاق وشيك مع صندوق النقد الدولي) .

واكّد خالد كرونة أنّ حجم المشاركة في الاستفتاء الذي قال إن نتيجته “محسومة”، سيكيّف النظر إلى “مشروعيته”، خاصة إذا كان الإصلاح الدستوري مشفوعا بانتخابات رئاسية أيضا سابقة لأوانها، “على اعتبار تغيّر قواعد اللعبة بتغيّر الدستور”.

ولفت أيضا إلى أنّه في صورة ما سارت العملية السياسية في ليبيا نحو الانفراج، “فذلك سيكون سببا لتطوّر العلاقات مع الجزائر وضمان أمن قومي أفضل في حال تضاءل الخطر الإرهابي الذي يمثل خنجرا في الخاصرتين التونسية والجزائرية”.

وحول مسألة إعفاء 57 قاضيا وقاضية، قال الجامعي والمحلل السياسي خالد كرونة “إنّ الرئيس سعيّد قد أدرك أنّ مفتاح بسط السلطة مرتبط بملاحقة الخصوم، خاصة أن ملفاتهم جاهزة ولكن القضاء كان يتلكّأ في دفع القضايا إلى منتهاها”، معتبرا أنّ القضاة، ووفق موازين القوى الراهنة، “لن يتحوّلوا إلى ما تريده المعارضة”.

وكان صدر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية، يوم 25 ماي 2022 أمر رئاسي عدد 506 يتعلق بدعوة الناخبين إلى الاستفتاء على مشروع دستور جديد للجمهورية التونسية يوم الاثنين 25 جويلية القادم.

كما صدر بالرائد الرسمي مرسوم عدد 32 لسنة 2022 يتعلّق بأحكام استثنائية لاستفتاء 25 جويلية ينصّ في فصـله الأول على أنّ مشروع الدستور الجديد، موضوع الاستفتاء، سينشر بأمر رئاسي في أجل أقصاه 30 جوان 2022.

وات 

Written by: Zaineb Basti



0%