الأخبار

الحكومات العربية فرّطت في سيادتها على الغذاء وخططها للتدارك “لا تنفع”

today05/09/2019 6

Background
share close

وصف تقرير حديث لأكثر من 50 جمعيّة غير حكوميّة في العالم العربي، سياسات الحكومات العربيّة “بالغبيّة” في تعاملها مع مسألة الحق في الغذاء. وحمّلها مسؤولية التّفريط في السّيادة على الغذاء و”فقدان القدرة على إطعام نفسها”، مقرّا بعجزها على التّدارك إذ “لم تعد الوصفات التي تعتز بها ذات فائدة في حل المشكلة”.

وأبرزت نتائج التقرير العربي الذي جاء تحت عنوان “الحق في الغذاء 2019″، وقدمت خلال ورشة إقليمية في تونس، هذا الاسبوع، أنّ المنطقة العربية تستورد ثلث كمية الحبوب المتداولة عالميا، ما يعزز تبعيتها للاسواق العالمية وللشركات متعددة الجنسيات التي تسيطر حاليا على الغذاء في العالم.

وذهب الخبراء العرب، الذين أعدّوا التّقرير إلى حدّ القول، بأنّ “السّياسات الزّراعية في جميع البلدان العربيّة منزوعة السلاح خلال العقود لثلاث الماضية”، وأنه رغم أزمة الغذاء وتداعياتها السياسية على المنطقة، “لم تكن هناك أيّ سياسة إقليميّة أو نهج استراتيجي ينعش أوجه التّكامل الزراعي والتكامل الغذائي الاقليمي”.

وتشير الاحصائيات المقدّمة خلال الورشة، التي حضرها خبراء من تونس والمغرب ولبنان وموريتانيا ومصر والسودان والجزائر وفلسطين وسوريا واليمن والأردن إلى أنّ 70 بالمائة من الاسواق العالمية ترزح تحت سيطرة 4 شركات كبرى عابرة للقارات، وتسيطر 10 شركات على ثلث سوق البذور و80 بالمائة من المبيدات فيما تهيمن 10 شركات على ثلثي كمية الغذاء المصنع، ولا يتعدى نصيب الفرد من المساحات المزروعة في البلدان العربية 18ر0 بالمائة.

وبدل أن تهتم البلدان العربية بصغار المزارعين وبالزراعات البعلية والعضوية التي تتأقلم مع مناخها، أفرطت استراتيجياتها في استخدام الاسمدة والادوية الزراعية والمبيدات والبذور المهجّنة وضخّ كميات هائلة من المياه في الوقت الذي تعاني فيه المنطقة من فقر مائي يهدّد مصير شعوبها.

وتبيّن إحصائيات المعهد الدولي للموارد المائية أنّ 13 بلدا عربيّا يواجه، حاليا، إجهادا مائيّا حادّا، منها 5 بلدان تعيش إجهادا مائيا حادّا جدّا في حين أنّ البلدان التي تسجل إجهادا مائيّا منخفضا لا يتعدى عددها الاربعة.

وسيزداد عدد البلدان العربية التي ستشهد إجهادا مائيّا حادّا في أفق 2040، ليبلغ 16 بلدا منها 5 بلدان ستحتل المرتبة الاولى في الترتيب الدولي في هذا المجال.

وأجمعت التقارير الوطنية العشر المقدمة في إطار “راصد الحقوق الاجتماعية والسياسية في العالم العربي”، والتي غاب عنها تقرير حول تونس، على أن الدول العربية انساقت وراء نهج الدول الكبرى التي شجعت الزراعة الموجهة للتصدير مما همّش قطاع الفلاحة ودمّره وبات الإنتاج يستجيب لاحتياجات السّوق بدل أن يتوجه نحو تلبية الحاجات المحلية وتحول الغذاء الى سلعة وإلى سلاح.

وأدّى غياب الديمقراطية والعدالة في النظام العالمي إلى تفاقم أزمة الغذاء، حيث يتيح ذلك لحفنة من الشّركات والدّول صاحبة القوّة السّياسية والعسكريّة والاقتصادية أن تتحكّم في غذاء العالم وزراعته وتجارته.

وكان التّقرير صريحا في التنبيه إلى مسألة ضعف تمثيل الدول النامية وفقراء العالم، بما في ذلك مزارعوه الصغار وفلاحوه ومستهلكو المواد الغذائية من عموم الناس في المؤسسات الدولية وضعف قدرتهم على تبليغ صوتهم وانعدام تأثيرهم في القرارات بحكم التشتت واحتكار تمثيلهم الضعيف أصلا من “قبل حكومات لا تملك قرارا مستقلا وتستفيد من ريع العولمة النيوليبرالية بأشكال عدّة”.

وندّدت هياكل المجتمع المدني الناشطة في مجال تعزيز السيادة الغذائية ومناهضة العولمة والليبرالية الوحشية بشدة في التقرير بهيمنة راس المال الاجنبي على مقدرات البلدان الفقيرة وتفقير مزارعيها وتهديم بناها التحتية عبر الاستحواذ على الاراضي.

وتقدر الاموال التي تم استثمارها في مجال الاستحواذ على الاراضي الزراعية على المستوى العالمي بحوالي 39000 مليار دولار عبر صناديق الاستثمار وصناديق الاسهم الخاصة.

وأوصى التّقرير بمكافحة القوة الاحتكارية لموردي المواد الغذائية وتجار التجزئة والمستثمرين في مشاريع البنية التحتية الكبيرة المرتبطين سياسيا مقابل إنشاء وتوحيد تعاونيات المزارعين.

ونبّه في هذا السياق إلى أن “الفلاحين في البلدان العربية لم تعد لهم القدرة على منافسة الاغذية الصناعية الرخيصة فلجأووا الى هجرة الارض وتحوّلوا الى عمّال مأجورين”.

وذكّر أن “الاقتصاديات العربية التي تدعم الاستثمارات الزراعية الموجهة للتصدير في الاردن وتونس والمغرب ومصر ولبنان تقوم بتعطيل مواردها الطبيعية من الاراضي والمياه ارضاءا لنموذجها الزراعي الاستخراجي واسواق التصدير”.

ودعا إلى إعطاء الاولوية للسوق المحلية بدل سلاسل الوجبات السريعة والاطعمة المصنعة ومراكز التسوق الواسعة الانتشار، موصيا بالعودة الى اعتماد النظام الغذائي للبحر الابيض المتوسط كحجر اساسي في أيّ حركة غذائية وسنّ السياسات العامة في المنطقة للابتعاد عن الاخطار الكامنة في النظام االغذائي الصناعي النيوليبرالي على الصحة والبيئة.

وأوصى الباحثون والخبراء المجتمعون بمنح الاولوية للمزارع العائلية الصغيرة بدلا من تدعيم الشركات الكبيرة وعمليات الاستيلاء على الاراضي من قبل الاجانب في اطار ما يسمى بالاستثمارات الاجنبية المباشرة، مشددين على أهمية أن “تبقى البذور في أيدي المزارعين وان تمنع المنتجات المعدلة وراثيا في المحاصيل والمنتجات المصنعة والاعلاف”.

وذكر الخبراء خلال ورشة تونس حول “الحق في الغذاء”، بإعلان الامم المتحدة بشان حقوق الفلاحين الذي تم تبنيه مؤخرا، في 17 ديسمبر 2018 وعقد الزراعة العائلية الذي تم اطلاقه في 27 ماي 2019، داعين إلى ضرورة الاعتراف بصغار الفلاحين (المزارعين) دون غيرهم “حرّاسا لبوابة النظام الغذائي البديل في المنطقة العربية” وإلى “تشريكهم ووضعهم في صميم اي خطة اقتصادية او انتقالية او تحررية في المنطقة العربية”.

يذكر أن ورشة تونس حول “الحق في الغذاء” نظمتها شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية بالتعاون مع الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات.

Written by: Asma Mouaddeb



0%