Express Radio Le programme encours
وأسفرت المعركة مع المجموعة الإرهابية آنذاك عن استشهاد 18 أمنيا وعسكريا وسبعة مدنيين، مقابل القضاء على أكثر من خمسين إرهابيا والقبض على العشرات الآخرين.
وتعود بداية مجريات أحداث عملية بن قردان إلى يوم 2 مارس 2016 في منطقة العويجاء (بن قردان)، التي عرفت آنذاك وجود عدد كبير من المتشدّدين، حيث وقع التدخّل في المنطقة والقضاء على 5 إرهابيين.
وفي يوم 7 مارس وقع الهجوم على الثكنة العسكرية بالمدينة وضرب محطّة الإشارة وغرفة العقيد آمر الفوج، إضافة إلى منطقتي الشرطة والحرس وكذلك المعتمدية لكنّ المجموعة الإرهابية تكبّدت خسائر فادحة مما جعل عناصرها يفرّون في كل الاتجاهات، وفق مأكّدته وزارة الدفاع الوطني آنذاك.
وبملاحقتهم وقع اكتشاف مخازن ذخيرة محيطة بالمدينة هدفها عزل المدينة عن مناطق جرجيس ومدنين وتطاوين وقطع الإمدادات عنها وتأسيس “إمارة” تابعة لتنظيم “داعش” الإرهابي.
وتواصلت الملاحقات الأمنية إلى حدود يوم 20 مارس من السنة نفسها بالقضاء على أحد أخطر العناصر الإرهابية في منطقة “الصيّاح” وهو محمد الكردي.
وقبلها بيوم (19 مارس) تم القضاء على عنصرين إرهابيين في منطقة العامرية لتستمرّ إلى ما بعد شهر مارس وتحديدا شهر ماي 2016 بالقضاء على 4 عناصر إرهابيّة كانوا شاركوا في الهجوم الإرهابي على مدينة بن قردان.
ومثلت “ملحمة بن قردان”، التي تعاضدت فيها جهود المؤسستين العسكرية والأمنية وأهالي المنطقة، نقطة فارقة في تاريخ الحرب على الإرهاب في البلاد وفي منطقتي شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
وفي هذا الشأن، قال الدكتور في تاريخ تونس المعاصر والكاتب، محمد ذويب، في تصريح لـ(وات)، ” لقد كانت منطقة بن قردان الحدودية التابعة لولاية مدنين الواقعة على الحدود مع ليبيا منذ تسع سنوات مسرحا لمواجهة عظيمة بين كتيبة البتار الإرهابية والقوات الحاملة للسلاح مسنودة بأهالي المنطقة انتهت بانتصار تونس على داعش، لتكون هذه الموقعة آخر أسفين وقع دقه في نعش الإرهاب”.
وأكد رئيس الجمهورية قيس سعيّد، في زيارة الى مدينة بن قردان يوم 17 ديسمبر الماضي بمناسبة الاحتفال بعيد الثورة، أن المنطقة “شهدت التحاما تاريخيا بين الشعب التونسي والقوات المسلحة الأمنية والعسكرية ضدّ من حاول التربّص بتونس والقيام بما أوصاه به الاستعمار”.
وأضاف أنّ “الشعب التونسي لقّنهم درسا لن ينسوه أبدا عندما وقف الجميع على قلب رجل واحد للقضاء على مجموعات إرهابية توهّم من دبّروا وخطّطوا أنّهم قادرون على المسّ بوحدة الشعب، لكن تكسّرت ترتيباتهم الإجرامية لأنّ تونس بشعبها وقواتها المسلّحة أشدّ وأقوى”.
الملف القضائي
قدمت السلطات عناصر المجموعة الإرهابية التي تم القبض عليها إلى القضاء، وبلغت القضية إلى حد الآن طور الاستئناف، إذ أصدرت الدائرة الجنائيّة المختصة في القضايا الإرهابية بمحكمة الاستئناف بتونس بتاريخ 30 ديسمبر 2024 أحكاما في حق 43 متهما موقوفا و23 بحالة سراح بلغت المؤبّد والإعدام.
ويواجه المتهمون تهما تتعلّق بـ”التآمر على أمن الدولة والانضمام إلى تنظيم إرهابي والإضرار بالممتلكات العامة أو الخاصة أو بالموارد الحيوية أو بالبنية الأساسية أو بوسائل النقل أو وسائل الاتصالات أو بالمنظومات المعلوماتية أو بالمرافق العمومية إضافة إلى تهم القتل العمد ومحاولة القتل العمد”.
وجرت محاكمة المتهمين في هذه القضية خلال الطور الاستئنافي وفق إجراءات المحاكمة عن بعد المنصوص عليها في الفصل 73 من القانون المتعلق بمكافحة الارهاب ومنع غسل الأموال والفصل 141 مكرر من مجلة الاجراءات الجزائية المتعلق بامكانية اجراء المحاكمة عن بعد وذلك “لوجود خطر حقيقي ملمّ”، وفق نصّ القرار.
“معركة” بن قردان .. الحرب على الإرهاب
مثلت معركة بن قردان أبرز المعارك في الحرب التي خاضتها تونس على الإرهاب بعد الثورة (2011) وتمكنت فيها من “القضاء على عدد كبير من الإرهابيين وتفكيك خلايا إرهابية وإفشال العديد من المخططات التخريبية”.
وتعددت في تلك الفترة الأحداث الإرهابية في ظل سيطرة العناصر التكفيرية على المنابر الدينية مع ظهور تيارات دينية متشددة وتشكل التنظيم الإرهابي المحظور “أنصار الشريعة”.
وكانت وتيرة المعارك متقطعة استعملت فيها المجموعات الإرهابية تفجيرات بالألغام وكمائن في جبل الشعانبي والمرتفعات الغربية ومواجهات بعدد من المناطق الأخرى على غرار أحداث قبلاط وسيدي علي بن عون ( 2013 ) والهجومين على متحف باردو ونزل “امبريال” سوسة وتفجير حافلة الأمن الرئاسي بالعاصمة (2015).
وحقّقت تونس نجاحات هامة في الحرب على الإرهاب، من ذلك تفكيك ودحر التنظيمات الموالية لتنظيمي “داعش” و”القاعدة” الإرهابيين والقضاء على عدد هام من العناصر الإرهابية، ولاسيما المتحصنة منها بالمرتفعات الغربية للبلاد، فضلا عن كشف عديد الخلايا النائمة الخطيرة.
وتعمل تونس على مقاومة الفكر المتشدد ووضعت في هذا الشأن استراتيجية للفترة 2023-2027 بتنسيق من اللجنة الوطنية لمكافحة الارهاب، هدفها “نشر ثقافة دينية تنويرية تقوم على الوسطية والاعتدال وتنويع المقاربة التربوية الداعمة لثقافة الحوار والمواطنة والحق في الاختلاف ودعم امكانيات الشباب وتثمين المبادرات الشبابية المساهمة في الوقاية من التطرف العنيف”.
وتوفّر هذه الاستراتيجة ” إطارا مرجعيا لتعزيز الجهود الوطنية الرامية إلى تحقيق الأمن والاستقرار من خلال تحصين المجتمع التونسي من التطرّف العنيف وتعزيز مناعة الدولة وتأمين مصالحها الداخلية والخارجية من الإرهاب والتخفيف من تداعياته ومعالجة آثاره”.
اعتزاز وفخر .. والمهمة لم تكتمل بعد
قال الدكتور في تاريخ تونس المعاصر والكاتب، محمد ذويب، إنّ ذكرى “أحداث” بن قردان التي يحييها التونسيون تعتبر من أهم الأحداث التي عرفتها البلاد خلال الفترة الممتدة بين 14 جانفي 2011 و 25 جويلية 2022.
وتابع قوله إنّ أهالي المنطقة يفتخرون بما أنجزوه منذ تسع سنوات، ولكنهم يتطلعون أيضا إلى تحسين أوضاعهم المعيشية وتحقيق الازدهار والاستقرار في المنطقة، مشيرا إلى أن “نسبة تحقيق الوعود لازالت ضئيلة ولم يتحقق منها إلا النزر القليل، على غرار الشروع مؤخرا في إنجاز المنطقة الصناعية والمنطقة اللوجستية بالمدينة”.
ولاحظ ذويب أنّ بن قردان “تتميز بكل دعائم النهوض والتطور وجر كل المنطقة نحو الأفضل، فهي تتميز بموقعها الهام على الحدود مع ليبيا، بما يمكنها أن تصبح قطبا تجاريا كبيرا، علاوة على احتوائها على شريط ساحلي كبير يمتد على 65 كلم ومناطق فلاحية هامة ومواقع أثرية ذات مخزون مهم”.
وفي هذا الجانب، كان رئيس الجمهورية تعهّد، في لقائه في ديسمبر الماضي بعدد من أهالي بن قردان، بتسريع انجاز المشاريع المعطلة في مختلف المجالات.
*وات
Written by: waed