إقتصاد

الشّكندالي: “مازال مصدر تعبئة 14.5 مليار دينار لدعم ميزانية 2024،مجهولا..”

today02/01/2024 47

Background
share close

قدّر الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي، رضا الشّكندالي، ان تكون سنة 2024 “صعبة بامتياز على مستوى تسديد الديون الداخلية والخارجية، لا سيما وان مبلغها كبير جدا ويصل الى 24،7 مليار دينار منها 12،3 مليار دينار ديون خارجية، وهو ما يعني انه يتعين على تونس تامين هذا المبلغ على الأقل لتسديد هذه الديون” .

واعتبر الشّكندالي ان “الرؤية لم تتوضح بعد على مستوى تعبئة مبلغ 16،4 مليار دينار كقروض خارجية مبوبة في ميزانية الدولة منها 14،5 مليار دينار لدعم الميزانية، ومازال مصدر تعبئتها مجهولا، إلا مبلغ 4،2 مليار دينار، واصفا ذلك “بالأمر الخطير جدا وبانه يرمي مستقبل البلاد نحو المجهول “.

وتساءل المتحدث عن المصادر التي ستتحصل منها تونس على هذه الأموال، لا سيما وانه لم يرد رسميا ضمن قانون المالية لسنة 2024، ذكر للتعامل مع صندوق النقد الدولي ولا الاتحاد الأوروبي ولا فرنسا ولا ألمانيا ولا إيطاليا. علما وان هذه الدول التي عادة ما تربط بين استعدادها د للإقراض وانخراط تونس في برنامج إصلاحات اقتصادية مع الصندوق.

واستبعد الخبير الاقتصادي في ذات السياق، “حصول تونس على هذه التمويلات من “البريكس” باعتبار انه لا يقرض أموالا بالدولار أو باليورو، وإلا فإنه سيفشل مهمته الأصلية وهو إضعاف الدولار”، وفق تقديره

وذكّر في هذا السياق ان الاقتراض الخارجي لتونس تفاقم ب9ر3 مليار دينار أي من 7،6 مليار دينار سنة 2022 الى 10،6 مليار دينار سنة 2023 والهبات الخارجية تضاعفت بأكثر من 4 مرات من 354 مليون دينار سنة 2023 مقدرة في قانون المالية الأصلي الى 1537 مليون دينار في كامل سنة 2023، وهو ما يعني أن الحكومة التونسية في سنة 2023 اعتمدت أساسا على الاقتراض الخارجي خلافا للإرادة السياسية لرئيس الجمهورية لخيار الاعتماد على الذات.

مقاربة التعويل على الذات تتطلب برنامج انقاذ مالي سريع على المدى القصير

وبين أن مقاربة التعويل على الذات، تتعارض مع التوجه القاضي برفع مبلغ الاقتراض الخارجي بـزهاء 6 مليار دينار، ليمر من 6ر10 مليار دينار سنة 2023 الى 16،4 مليار دينار سنة 2024، مشيرا الى أن التعويل على الذات يتطلب برنامج إنقاذ مالي سريع على المدى القصير والذي يعتمد على أربع محاور أساسية تتعلق بالفسفاط والشركات المصدرة كليا وتحويلات التونسيين بالخارج والأموال المتداولة تقدا في السوق الموازية.

وقال موضحا: “لكن ملامح هذا البرنامج كانت غائبة تماما في قانون المالية لسنة 2024 حيث واصلت الحكومة في المقاربة المحاسباتية التي ذهبت فيها كل الحكومات ما بعد الثورة، والتي أفقدت الدولة التونسية ما يزيد عن ألف مليار في سنة 2023 عوضا عن تغييرها الى مقاربة اقتصادية تأخذ بعين الاعتبار التداعيات الاقتصادية على النمو والبطالة والمقدرة الشرائية للمواطن التونسي”.

وشدّد الشّكندالي على وجوب القيام بمراجعة تامة للسياسات الاقتصادية التي اعتمدتها الحكومات ما بعد الثورة والتي لا تزال متبعة من طرف حكومة أحمد الحشّاني، لعل من أهمها السياسة الجبائية التوسعية والسياسة النقدية الحذرة وسياسة الصرف المرنة والتي أسهمت في أزمة الركود التضخمي التي تعيشها تونس هذه الأيام.

الدولة اعتمدت سنة 2023 سياسة توسعية

وذكّر في هذا السياق أن الدولة التونسية اعتمدت سنة 2023 سياسة توسعية على مستوى ميزانية الدولة بترفيعها بمبلغ مشط (10،7 مليار دينار) لكنها تقشفية على مستوى توريد المواد الأساسية والمواد الأولية ونصف المصنعة والتي تراجعت ب7،1 بالمائة، وهو ما أدى الى تحسن في التوازنات المالية الخارجية وبعض المؤشرات المالية لكن بكلفة اقتصادية باهظة، معتبرا أن ذلك قد يكون مفيدا في تقدم المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لو اختارت الحكومة التونسية انتهاج خيار التعامل معه، لكنه لم يكن مفيدا بالمرة بالنسبة للمواطن التونسي حيث تراجع النمو الاقتصادي بصورة ملفتة وتفاقمت معدلات البطالة وتدهورت المقدرة الشرائية.

وشمل تحسن المؤشرات المالية أساسا تراجع هام لعجز الميزان التجاري ب6،8 مليار دينار الى حدود نوفمبر 2023 مقارنة ب11 شهرا من سنة 2022، أي 16،5 مليار دينار في سنة 2023 مقابل 23،3 مليار دينار لنفس الفترة من السنة التي سبقتها.

واسترسل الشكندالي بالقول: “ان الخطاب الاقتصادي للحكومة الواضح في قانون المالية لسنة 2024 كان متناغما هذه المرة في أغلبه مع الخطاب السياسي لرئيس الدولة وهو خيار عدم التعامل مع الصندوق بالرغم من الفجوة المالية الهامة بمبلغ 10،3 مليار دينار والتي لا نعلم مصادر تعبئتها”.

وتابع محللا:”أن السياسة الجبائية التوسعية، والتي اعتمدت على الترفيع في نسبة الضغط الجبائي من 20 بالمائة سنة 2011 الى 25،1 بالمائة سنة 2024 والسياسة النقدية الحذرة والتي تمثلت في الترفيع المتكرر في نسبة الفائدة المديرية لتصبح 8 بالمائة، بعد أن كانت في بداية سنة 2011 في حدود 3،5 بالمائة ولجوء الدولة في عديد المرات الى الاقتراض عبر البنوك التونسية، أرهق كاهل المؤسسات التونسية المنتجة وحرمها من السيولة النقدية اللازمة وهو ما أضعف الاستثمار الخاص وأسهم في انكماش النمو الاقتصادي.

وأردف الخبير الاقتصادي انه علاوة على ذلك، فإن تقلص حصة الاستثمار العمومي في ميزانية الدولة من 13،8 بالمائة سنة 2011 الى أقل من 4 بالمائة سنة 2024، عكس عدم اهتمام الدولة بتحفيز الاستثمار الخاص، كعامل أساسي لخلق الثروة المنتجة وهو ما أسهم في تراجع هذا الأخير الى مستويات دنيا أضرت بالنمو الاقتصادي.

آفاق النمو الاقتصادي في تونس سنة 2024 م

وشدّد على أن آفاق النمو الاقتصادي في تونس في سنة 2024 مرتبطة أشد الارتباط بالوضوح في الرؤية الاقتصادية التي ستنتهجها الحكومة. علما وان مستوى النمو الاقتصادي انخفض من 3ر4 بالمائة سنة 2021 الى 2،2 بالمائة سنة 2022، وهو مرشح للانخفاض حتى دون التقديرات الجديدة للميزان الاقتصادي، 0،9 بالمائة.

وطرح الشكندالي في هذا الصدد، ثلاث سيناريوهات، يتمثل أولها في العمل بمضمون قانون المالية لسنة 2024، وهو ما يعني أنه لن يكون هناك تعامل مع صندوق النقد الدولي وهو ما “يتطلب قدرة عجيبة على إقناع الدول الشقيقة والصديقة على إقراض تونس وتحصيل مبلغ 10،3 مليار دينار والتي لا نعرف الى الآن مصدرها”، حسب رأيه.

ورأى ان هذا السيناريو “خطير جدا وقد يدفع البلاد الى ما لا تحمد عقباه، إذ من الصعب إقناع الدول العربية والأوروبية، إقراض تونس بدون الإقدام على برنامج إصلاحات يؤمنه صندوق النقد الدولي”.

وابرز “ان نجاح هذا السيناريو في الخروج بالبلاد الى برّ الأمان يتطلب الاعتماد كليا على الذات عبر برنامج إنقاذ سريع يعتمد أساسا على تعبئة الموارد الخارجية من العملة الصعبة للتمكن من استخلاص 12،4 مليار دينار كديون خارجية. وهوما يستوجب صياغة برنامج إنقاذ مالي في بداية السنة المقبلة أو قانون مالية تكميلي في بداية شهر مارس يتضمن الملامح الكبرى لهذا البرنامج”.

ويقضي السيناريو الثاني الذي طرحه الشكندالي “بالعمل بمضمون خطاب رئيس الجمهورية، قيس سعيد، والذي يعتمد، أساسا، على تطهير الإدارة وإصلاح المؤسسات العمومية عبر ترشيد الحوكمة فيها والقضاء على الاحتكار واقتصاد الريع”.

وقدر المتحدث أن يتطلب تنفيذ هذا السيناريو من الحكومة تجسيم هذا الخطاب عبر برنامج اقتصادي واضح المعالم يتناول 3 ملفات أساسية بمقاربة جديدة مختلفة عن مقاربة صندوق النقد الدولي.

وتتعلق هذه الملفات بإصلاح الوظيفة العمومية عبر التقليص من عدد الموظفين فيها وخاصة من الذين يمتلكون شهادات مزورة أو ممن أدمجوا في الوظيفة العمومية عبر الولاءات الحزبية خارج إطار المناظرات الى جانب إصلاح المؤسسات العمومية عوضا عن التفويت فيها وذلك عبر ترشيد التصرف في المال العام فيها والقضاء على الفساد.

كما يستدعي الأمر تحسين مناخ الأعمال عبر التقليص في عدد الإجراءات الإدارية وطول آجالها حتى تكون الإدارة عاملا أساسيا لدفع الاستثمار عوضا عن لعب دور المعرقل للنمو الاقتصادي، كما هو الحال خلال سنوات ما بعد الثورة.

وقال الشكندالي إن هذا السيناريو “يتطلب الكثير من الوقت حتى يؤتي أكله وهو ما لا يمكّن البلاد من الخروج من المأزق الاقتصادي والمالي خلال السنة المقبلة”.

ويقترح السيناريو الثالث والذي اعتبره أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية “الأسلم للخروج بالبلاد من المأزق المالي” الدمج بين السيناريو الأول والثاني وذلك بتطبيق قانون المالية لسنة 2024 وصياغة برنامج إنقاذ مالي يعتمد على أربع محاور لسد الثغرة المالية ب10،3 مليار دينار والمحدثة في قانون المالية لسنة 2024.

وتتصل هذه المحاور الأربعة، وفق قوله، بالنهوض بقطاع الفسفاط عبر تأمين إنتاجه ونقله الى المجامع الكيميائية من طرف الجيش التونسي وتشجيع التونسيين بالخارج على فتح حسابات بالعملة الصعبة وتمتيعهم بالفوائد المترتبة عن ذلك بالإضافة الى التخفيض في الأداء على أرباح المؤسسات المصدرة كليا لاسترجاع قدرتها التنافسية وإقرار عفو جبائي تام على الأموال المتداولة بالعملة الصعبة في الأسواق الموازية.

كما يقضي السيناريو الثالث بصياغة برنامج إصلاحات كبرى للوظيفة العمومية والمؤسسات العمومية ومناخ الأعمال لكن بمقاربة مختلفة عن مضمون الإصلاحات التي وقع التوافق حولها في أكتوبر 2022 مع صندوق النقد الدولي والتي يمكن أن تقنع الصندوق بجدواها على مستوى الوصول الى الأهداف الكبرى التي تفيد البلاد من تحسين معدلات النمو الاقتصادي وتحسين المقدرة الشرائية للمواطن التونسي والتي ستؤدي بالضرورة الى إحلال التوازنات المالية الداخلية والخارجية التي يريدها الصندوق.

وات

Written by: Rim Hasnaoui



0%