إن التفوق النسبي الحالي لروسيا وسيطرتها على زاباروجيا، خيرسون، لوغانسك ودونيتسك وإعلانها رسميا كأراضي روسية، لا يعكس حقيقة الوضع على الميدان حيث أن القوات الأوكرانية لم تكن لقمة سائغة وقد كبدت الجيش الروسي خسائر معتبرة ولا أدل على ذلك من الإشتباكات العنيفة اليومية وعمليات الكر والفر التي شهدناها طيلة الأشهر المنصرمة بينما كان جل الخبراء والملاحظين عند إندلاع الحرب يتوقعون سقوط كييف في بضع شهور، خاصة بالنظر إلى الفرق الشاسع بين الجيش الروسي ونظيره الأوكراني.
هذا الصمود اللافت للقوات الأوكرانية يعود إلى عدة عوامل، أهمها طبعا الدعم الغربي المستمر منذ إندلاع الحرب للجانب الأوكراني من خلال المساعدات المالية و العينية و الإمدادات العسكرية و اللوجيستية، كذلك نجد أن القادة الميدانيون في الجيش الأوكراني يتمنعون بحيز معتبر من الإستقلالية في إتخاذ القرارات العسكرية و الخطط التكتيكية و المناورات وفقا لمقتضيات مسرح العمليات مما يجعلهم في أغلب الأحيان سابقين بخطوة مقارنة بالجيش النظامي الروسي الذي يعتمد تدرجا أفقيا مركزيا صارما في ما يخص إصدار و تنفيذ التعليمات بالإضافة إلى بعض التفاصيل التي صبت في مصلحة الحانب الأوكراني مثل وقوع بعض الأجهزة الإستراتيجية الحساسة الخاصة بالجيش الروسي بأيدي القوى الأوكرانية مما سيضعف الجانب الروسي بشكل مباشر وسيؤثر على الدول الي تعتمد على تلك التقتيات الروسية اقر كما سينعكس سلبيا على مبيعات العسكرية الروسية في المستقبل. هل يمكن الحديث عن نهاية قريبة للحرب في أوكرانيا؟
للأسف جميع الموشرات تدل على عكس ذلك وأوجه التصعيد المستمر عديدة منها تجنيد القصر في الجيش الروسي ومن بينهم أبناء الرئيس الشيشاني رمضان قديروف اللذين تتراوح أعمارهم يبن 14 ،15، و16 سنة حتى أن أحدهم قد أرسل لوالده 3 أسرى أكران كهدية. كما إقر رئيس شركة فاغنير بريغوزين بإرسال مساجين روس مصابون بأمراض خطيرة مثل السل وإلتهاب الكيد الوبائي وفيروس نقص المناعة للحرب في أكرانيا متعللا بأن التشريعات الروسية لا تمنع ذلك. إضافة إلى إستهداف المرافق الحيوية وقطع ماء و كهرباءعن 4.6 مليون أكراني وصولا إلى التهجير القصري للمدنيين الأكران خاصة من خرسون التي تستعد لأن تكون مسرح العمليات الأهم في المرحلة القادمة من الحرب.
ومن جانب آخرنجد أن الصراع الروسي الأوكراني لم يعد يقتصر على المعارك العسكرية فحسب بل أصبح الأمر أقرب إلى حرب إستنزاف على الصعيد العسكري والاقتصادي بل والاجتماعي أيضا يسعى كل طرف فيها إلى إضعاف خصمه وإثارة الجبهة الداخلية ضده. حيث نجد الدول الغربية من جهة تسعى لعزل روسيا على الصعيد الدولي وتقويض اقتصادها من خلال العقوبات المتعددة التي تم إقرارها.
ومن جانب أخر نجد أن الجانب الروسي يستعمل سلاح الغاز للضغط على الدول الداعمة لأوكرانيا، بالإضافة إلى الإزمة الغذائية التي تهدد أغلب دول العالم خاصة دول إفريقيا والشرق الأوسط بالنظر إلى كون أوكرانيا وروسيا من أهم المصدرين للحبوب والزيوت والأعلاف على مستوى العالم. كما لا يمكن أن نغفل تأثير هذه الأ زمة على سوق الطاقة والنفط خصوصا، الأمرالذي يهدد الإقتصاد العالمي الذي لم يتعافى بعد من تداعيات جائحة كورونا. كل هذه العوامل تجعل من هذا الصراع أقرب ما يكون إلى الحرب الشاملة متعددة الأبعاد المنتصر فيها هو الطرف الأقدر على الصمود.
تواتر التهديد بإستعمال السلاح النووي من الجانب الروسي في الفترة الأخيرة حتى أن الرئيس الشيشاني رمضان قديروف قد طلب من الرئيس بوتين إستعمال السلاح النووي التكتيكي دون الإستراتيجي فما الفرق بين السلاحين وهل يمكن أن تستخدم روسيا السلاح النووي لمنع إطالة أمد الحرب؟ تفيد آخر التقديرات أن الترسانة النووية الروسية تقدر بحوالي 4800 رأس نووي منها 2000راس نووي تكتيكي وقد سبق للجيش الروسي أن إستعمل في حرب أوكرانيا صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية مثل كاليبر الذي يتراوح مداه بين1500 و2500 كيلو متر وصاروخ إسكندر الذي يتراوح مداه بين 400 و500 كيلومتر أما الفرق بين الإسلحة النووية التكتيكية و الإستراتيجية ، فيتمثل في القدرة التدميرية و المدىا الذي يبلغه الصاروخ ،حيث تتراوح القدرة التدميرية للسلاح النووي التكتيكي بين حوالي كيلو طن واحد إلى 100 كيلو طن، علما وأن الكيلو طن الواحد يساوي 1000 طن من مادة تي إن تي المتفجرة، أما السلاح الإستراتيجي فقد تلبغ قوته التدميرية 800 كيلو طن ، ولكي نقرب الصورة أكثر، تجدر الإشارة إلى أن القنبلة التي القيت على هيروشيما كانت بقوة 15كيلو طن و الثانية بنكازاكي 21 كيلو طن أي أنها تعتبر بحسب المعايير الحديثة أسلحة تكتيكية ما أريد قوله هو أن الجميع يعلم جيدا أن إستعمال السلاح النووي سيمثل نقطة اللاعودة في هذه الحرب وكسر الحاجز النووي سيفضي بالعالم بأسره إلى الهاوية، الأمر الذي يجعلني أستبعد فرضية استخدام روسيا لترسانتها النووية.